الأخ محمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن هذا الاكتشاف العلمي حول حقيقة المادة وأصلها لا يؤثر على الواقع الخارجي بشيء، ولكنه يغير بعض مفاهيمنا وتصوراتنا عن ماهية المادة .. علاوة على أن منهج الفلسفة وموضوعها يختلف تماماً عن مناهج العلوم الطبيعية وموضوعاتها، وبالتالي فإن الميدان الذي يصح أن تبحث فيه هذه الأكتشافات العلمية هو علم الفيزياء وغيره من العلوم الطبيعية أما الفلسفة فإن مجالها هو البحث في الاسباب القصوى لا في الأسباب القريبة التي تعنى بدراستها العلوم على اختلافها.
على أن إنكار المثالية الفيزيائية للوجود المادي مبتني على نظرية وليس على قانون صارم، ومن شأن النظريات أن تتغير سواء اكان بالتكامل المترتب على التراكم في الخبرات والوسائل والاكتشافات أم بالسقوط نتيجة حلول نظريات أخرى محلها. ولذلك فلا يسعنا أن نسلم تسليماً قاطعاً بالنظريات العلمية إلا بعد أن تصبح قوانيناً وثوابتاً. وحينئذٍ يمكن أن تتغير بعض الأفكار أو المفاهيم بشكل نهائي وربما ظهرت نتيجة ذلك محاور جديدة للفلسفة إلا أنها محاور لا تمت إلى الفلسفة الأولى بصلة، لأن الفلسفة الأولى لا تبحث إلا في الأمور العامة والأسباب القصوى ومنها وجود الله عز وجل بطبيعة الحال.
وبعبارة فنية: لو قلنا بأن المادة عبارة عن ذرات من الطاقة المتراكمة وسلمنا بهذا وأخذناه محققاً، وقلنا أن الأجسام المادية مركبة أيضاً من الطاقات مما يثبت وجود شيء اسمه (الطاقة) ليس بمادة بل تحصل المادة من تراكمها وتركيبها، كان من الواجب في البحث الحكمي حينئذٍ أخذ الطاقة نوعاً عالياً لا المادة، وجعل الطاقة مكان المادة (مترتبة على الجوهر) أي نقول: الجنس العالي هو الجوهر، والقسم الأول من الجوهر هو الطاقة (قبل الجسم)، والجسم قسم ثانوي لا نوع عال. ثم إن حقيقة الطاقة ليست معلومة بعد، بحيث يمكن تقديم تفسير فلسفي قاطع لها، وبناءً على كون الأجسام المتعارفة (المادة الفيزيائية) حاصلة تراكمات الطاقات لا تخرج الطاقة عن حد الجسم ـ بالاصطلاح الفلسفي ـ حتى يستلزم فرض جنس فوقه، لا ستحالة تركب ما يقبل الابعاد الثلاثة مما ليس كذلك.
ودمتم في رعاية الله